السؤال:
ولدي قد اعتاد مشاهدة البث الفضائي للقنوات الفضائية، حتى تطور الأمر به أنه يضيع معظم وقته في مشاهدة التليفزيون، وهو في ذلك لا يستطيع انتقاء النافع من الضار، ولا الطاعة من المعصية- والمضرة والمعصية أكثر وللأسف- وقد لاحظت تغيرًا كبيرًا في تصرفاته وأفكاره مما يبعده عن الأخلاق الإسلامية المطلوبة، فكيف ترون مشكورين ما عليّ عمله في علاج ذلك؟
الجواب:
لاشك أن قضية الآثار السلبية المترتبة على مشاهدة ومتابعة البث الفضائي المباشر هي قضية يعاني منها الكثير من الآباء والمربين لما يترتب عليها من مضار كبيرة على المستويين الفردي والاجتماعي. والحل من وجهة نظرنا يشترك فيه طرفان أساسيان، هما:
الطرف الأول: هم المسئولون الإعلاميون الذين ينبغي عليهم منع بث ما يضر ويخالف التوجيهات الشرعية والإيمانية، وهم في ذلك مسئولون أمام الله، إذ إنه- سبحانه- سائل كل راع عمن استرعاه.
والطرف الثاني: وهم المربون الذين عليهم عبء التوجيه السليم وعلاج الأمراض الفردية والاجتماعية.
وعلى المستوى التربوي فإن حل تلك المشكلة يكمن في الخطوات الآتية (وهي خطوات مترابطة لا يمكن فصلها عن بعضها كما لا يمكن الاستغناء عن أحدها بالآخر):
1- بناء الخلفية الشرعية: وأقصد بذلك ما يتعلق بتعليم الأبناء والمتربين الأحكام الشرعية الإسلامية فيما يتعلق بالحلال والحرام في متابعة ومشاهدة تلك البرامج، ويدخل في ذلك حكم نظر المرأة للرجال الأجانب عنها، وحكم نظر الرجال للنساء الأجنبيات، وكذلك أحكام العورة وما يتعلق بالنظر إليها، وكذلك الأحكام الشرعية فيما يتعلق بالغناء والتمثيل والرقص وما شابهه، كذلك أحكام الاختلاط بين الرجل والمرأة والشاب والفتاة، وحكم ما يروج له من العشق بين الجنسين، وحدود المعاملات الاعتيادية بين الجنسين، وكذلك أحكام اللباس في الإسلام وشروطه بالنسبة للرجال والنساء، ومن قبل ذلك استنبات كل هذه المعاني من أصل الاستسلام لله في أمره ونهيه.
2- تكوين الدافعية الإيمانية: ويعني ذلك محاولة تنمية الجانب الإيماني عند المتربي في الإقبال على المرغوب فيه أو الامتناع عنه، فيجب أن يتفهم المتربي أن ارتباطه بالمشاهد السيئة واللاأخلاقية هي منقصة في إيمانه، وأن المؤمن التقي هو الذي يبتعد بنفسه عن مواقع المجون واللهو والعبث ولا يجلب لنفسه آلاف الذنوب والسيئات طوال مدة مشاهدته للتلفاز وقضائه للأوقات الطويلة أمامه، وأن كثرة ارتباطه بما يبثه الطبق الفضائي على شاشاته من المخالفات الأخلاقية هي مؤثرة في مرض قلبه بالشهوات ومبعدة له عن ركب الصالحين.
3- الاختيار الانتقائي: فإنه مع انتشار البث الفضائي ودخوله معظم البيوت لزم من بيده التوجيه في كل بيت أن يقوم بعملية انتقائية للبرامج والمواد التي تعرض، وأن يتخير منها بوضوح البرامج الإيمانية النافعة أو الثقافية الدافعة أو الترفيهية المقبولة شرعًا، وقد يرى البعض إغلاق ذلك الباب بالكلية بحيث تمنع الأجهزة تمامًا من البيوت ويحظر على المتربين مشاهدتها بالكلية، وفي ذلك الأمر تفصيل دقيق يلزم المربي معرفته بجلاء، فهناك الآن من القنوات الإسلامية ما يقتصر في بثه على البرامج الإيمانية والترفيهية المباحة والثقافية المفيدة، وهذا ولاشك قد يتيح البديل المقبول للقنوات الأخرى ذات التوجه الممنوع، كما أن المنع الكامل عن تلك الأجهزة لن يحقق ذلك المنع المراد للمتربي، حيث إنه يشاهدها في مختلف الأماكن والبيوت المختلفة مما قد يربي عنده شعورًا غير موجه ناحيتها، فقط يجب على كل مرب توجيه الاختيار نحو تلك القنوات الإسلامية وتوجيه المنع الكامل للقنوات الأخرى غير المرغوب فيها حتى لو كان بها بعض المفيد.
4- تربية المراقبة الذاتية: يعمد كثير من المربين نحو مراقبة أبنائه في مشاهدة التلفاز أو ما يشابهه مراقبة هي أقرب إلى التقييد والتضييق الذي يجعل معه للمتربي شعورًا بعدم الثقة فيه أو الظن في إمكانية وقوعه في المحظور، فتراه يراقبه مراقبة التجسس ويحاسبه محاسبة سوء الظن، ونحن نحذر من تلك الطريقة في التوجيه والمتابعة، حيث إنها قد تعود بالسلب على المتربي والأبناء وتدفعهم للتخفي في فعل الخطأ، ولكننا نوجه تجاه سلوك من المراقبة الذاتية للأفراد تنمي عندهم شعورهم بالمسؤولية الذاتية الفردية، وعدم المراءاة في فعل الطاعة أو في ترك المعصية، وكذلك نوجه تجاه نوع من المراقبة يبث الثقة والجدية في نفسية المتربي ولا يشبه سلوك الشرطي المراقب لمرتكب المحذور!!
5- إيجابية القدوة: وأقصد بذلك ما يقوم به المربون من سلوك وأفعال هم بذواتهم تجاه مشاهدتهم البث الفضائي ومتابعتهم للبرامج المعروضة على شاشات التليفزيون أو غيره، فلا يمكن بحال أن ينهى المربي عن خلق ويأتي مثله؛ لأنه بذلك يعرض جميع توجيهاته ونصائحه التي ينصح بها متربيه إلى السخرية والإهمال، إذ يراه أبناؤه ومتربوه وهو يخالف ما يدعوهم إليه وما ينصحهم به ليل نهار فتتكون عندهم الرغبة في فعل مزدوج هو متابعة تلك البرامج الفاسدة مع الحذر من رؤية والدهم أو مربيهم لهم، وينتج عن ذلك محظورات كبيرة قد تحصد أثارها السلبية بعد مدة!
6- التغذية النفسية: وأعني بها تلك التوجيهات المباشرة وغير المباشرة تجاه السلوك المراد فعله وضد ما يراد الإقلاع عنه، وكذلك الدعم النفسي تجاه السلوك الإيجابي المستمر، فالمربي عليه دوام التشجيع للسلوك الإيجابي وتقديم الدعم والعطاء والجائزة له على ذلك السلوك، كذلك تمثل الجمل المستمرة والمتكررة في وصف خلق ما أو فعل ما عنصرًا هامًّا في بناء الثقة النفسية كتكرار قوله تعالى: {وخافون إن كنتم مؤمنين} أو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت» ومثاله ويحسن أن تكرر مثل تلك الجمل ويختار لها موقعًا مناسبًا ووقتًا موائمًا، وكذلك شكر الفعل الإيجابي أمام الأقران والمقربين وغير ذلك من الأساليب التربوية الناجحة.
الكاتب: خالد رُوشه.
المصدر: موقع المسلم.